الحمد لله رب العالمين والصلاۃ والسلام على خاتم الأنبياء
والمرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه أجميعين .
السلام عليڪم ورحمۃ الله وبرڪاته
ڪيف حالڪم أعضاء وزوار منتدي نقطة الانمي
الڪرام حللتم أهلا ووطأتم سهلا فى القسم الاسلامى
إنَّ الشجرۃ الڪريمۃ المبارڪۃ – أعني النخلۃ – التي هي أفضل الشجر وأطيبه وأحسنه
قد جعلها الله في ڪتابه الڪريم مثلاً لعبده المؤمن ، يقول الله تعالى : {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ
اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ
بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم:??–??] . وعن ابن عمر رضي
الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ
وَرَقُهَا وَإِنَّهَا مَثَلُ الْمُسْلِمِ فَحَدِّثُونِي مَا هِيَ ؟ )) فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ :
وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ فَاسْتَحْيَيْتُ . ثُمَّ قَالُوا حَدِّثْنَا مَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : (( هِيَ
النَّخْلَةُ )) [1] وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول : ((مَثَلُ الْمُؤْمِنِ مَثَلُ النَّخْلَةِ , مَا أَخَذْتَ مِنْهَا مِنْ شَيْءٍ نَفَعَكَ)) [2].
وعن أنس بن مالڪ رضي الله عنه قال : أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقِنَاعٍ عَلَيْهِ
رُطَبٌ فَقَالَ : مَثَلُ كَلِمَةٍ طَيِّبَةً { كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ
حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا } قَالَ : ((هِيَ النَّخْلَةُ)) ، { وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ
الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ } قَالَ : (( هِيَ الْحَنْظَلُ)) قَالَ : فَأَخْبَرْتُ بِذَلِكَ أَبَا الْعَالِيَةِ فَقَالَ : صَدَقَ
وَأَحْسَنَ[3].
والنخلۃ إنما حازت هذه الفضيلۃ العظيمۃ بأن جُعلت مثلاً لعبد الله المؤمن لأنها أفضل الشجر
وأحسنه وأڪثره عائدۃ ، ويڪفيها فضيلۃ أنها خُصت من بين سائر الشجر بأن جُعلت مثلاً
للمؤمن ؛ مما يدل على ڪريم فضلها ورفيع قدرها وتنوع فضائلها ، ڪثبات أصلها وارتفاع فرعها
وإيتائها أكُلَها ڪل حين ووصفها بالبرڪۃ وأنها لا يؤخذ منها شيء إلا نفع ، ونحو ذلڪ مما يدل
على فضل النخلۃ وتميزها وتشابهها مع المؤمن المطيع لله الذي قامت في قلبه ڪلمۃ
الإيمان وانغرست في صدره وأخذت تثمر الثمار اليانعۃ والخير المتنوع .
ومن يتأمل في النخلۃ والمؤمن المطيع لله يجد بينهما أوجهاً من الشبَه ڪثيرۃ ، منها :
v أن النخلۃ لابد لها من عروق وساق وفروع وورق وثمر ، وڪذلڪ الإيمان لابد له من أصل
وفروع وثمر ؛ فأصله الإيمان بأصول الإيمان الستۃ المعروفۃ ، وفروعه الأعمال الصالحۃ والطاعات
المتنوعۃ والقربات العديدۃ ، وثمراته ڪل خير يحصِّله المؤمن وڪل سعادۃ يجنيها في
الدنيا والآخرۃ .
v والنخلۃ لا تبقى حيۃ إلا بمادۃ تسقيها وتنمِّيها ، فهي لا تحيا ولا تنمو إلا إذا سقيت بالماء ،
فإذا حُبس عنها الماء ذبلت ، وإذا قُطع عنها تماماً ماتت ؛ وهڪذا الشأن في المؤمن لا يحيا
الحياۃ الحقيقيۃ ولا تستقيم له حياته إلا بسقي من نوع خاص ؛ وهو سقي قلبه بالوحي :
ڪلام الله وڪلام رسوله صلى الله عليه وسلم . قال الله تعالى : {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ
وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا } [الأنعام:122] .
وبهذا يُعلم أن شجرۃ الإيمان في القلب ، إن لم يتعاهدها صاحبها بسقيها ڪل وقت بالعلم
النافع والعمل الصالح وإلا أوشڪت أن تيبس . عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله
عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إِنَّ الْإِيمَانَ لَيَخْلَقُ فِي جَوْفِ أَحَدِكُمْ كَمَا
يَخْلَقُ الثَّوْبُ الْخَلِقُ ، فَاسْأَلُوا اللَّهَ أَنْ يُجَدِّدَ الْإِيمَانَ فِي قُلُوبِكُمْ)) [4] .
v ومن أوجه الشبه بين المؤمن والنخلۃ : أن النخلۃ شديدۃ الثبوت ڪما قال الله تعالى
{ أَصْلُهَا ثَابِتٌ } ، وهڪذا الشأن في الإيمان إذا رسخ في القلب ؛ فإنه يصير في أشد ما
يڪون من الثبات لا يزعزعه شيء بل يڪون ثابتاً ڪثبوت الجبال الرواسي ، سُئل الأوزاعي
رحمه الله عن الإيمان أيزيد ؟ قال : " نعم حتى يڪون مثل الجبال " قيل : أينقص ؟ قال :
" نعم حتى لا يبقى منه شيء " .
v والنخلۃ لا تنبت في ڪل أرض ، بل لا تنبت إلا في أراضٍ معيَّنۃ طيبۃ التربۃ ، فهي في بعض
الأماڪن لا تنبت مطلقاً ، وفي بعضها تنبت ولڪن لا تثمر ، وفي بعضها تثمر ولڪن يڪون
الثمر ضعيفاً ، فليست ڪل أرض تناسب النخلۃ . وهڪذا الشأن في الإيمان ؛ فهو لا يثبت
في ڪل قلب ، وإنما يثبت في قلب من ڪتب الله له الهدايۃ وشرح صدره للإيمان ، والقلوب
أوعيۃ متفاوتۃ وبعضها أوعى من بعض .
v وقد وصفت النخلۃ في الآيۃ بأنها شجرۃ طيبۃ ، وهذا أعم من طيب المنظر والصورۃ والشڪل
ومن طيب الريح وطيب الثمر وطيب المنفعۃ ؛ والمؤمن ڪذلڪ أجلُّ صفاته الطيب في شؤونه
ڪلها وأحواله جميعها ، في ظاهره وباطنه وفي سره وعلنه ، ولهذا عندما يدخل المؤمنون
الجنۃ تتلقاهم خزنتها قائلۃ لهم : {سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:??] ، وقال
تعالى : {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
[النحل:32] .
v والنخلۃ وصفت بأنها ما أخذت منها من شيء نفعڪ ڪما في حديث ابن عمر المتقدم ،
فڪل شيء في النخلۃ ينفع ، وهڪذا الشأن بالنسبۃ للمؤمن مع إخوانه وجلسائه ؛ لا يُرى
فيه إلا الأخلاق الڪريمۃ والآداب الرفيعۃ والمعاملۃ الحسنۃ والنصح لجلسائه وبذل الخير لهم ،
ولا يصلُ إليهم منه ما يضر ، بل لا يصل إليهم منه إلا ما ينفع .
v ثم إن قلب النخلۃ وهو الجمار من أطيب القلوب وأحلاها ؛ إذ هو حلو الطعم جميل المذاق ،
وڪذلڪ قلب المؤمن من أطيب القلوب وأحسنها ، لا يحمل إلا الخير ، ولا يبطن سوى
الاستقامۃ والصلاح والسلامۃ .
v وثمر النخلۃ من أنفع ثمار العالم وله حلاوۃ لا تدانيها حلاوۃ ، وڪذلڪ الإيمان له حلاوۃ ولذۃ
لا يذوقها إلا صحيح الإيمان . عن أنس رضي الله عنه : عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
((ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ : أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا ، وَأَنْ يُحِبَّ
الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)) [5].
v ثم إن النخل بينه تفاوت عظيم في شڪله ونوعه وثمره ، فليست النخيل في مستوى واحد
في الحسن والجودۃ بل بينه من التفاوت والتمايز الشيء الڪثير ؛ وهڪذا الشأن بين
المؤمنين ، فالمؤمنون متفاوتون في الإيمان ، وليسو في الإيمان على درجۃ واحدۃ ، بل بينهم
من التفاوت والتفاضل الشيء الڪثير ، ڪما قال الله تعالى : {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا
مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ
الْكَبِيرُ} [فاطر:32] .
v والنخلۃ ڪلما طال عمرها ازداد خيرها وجاد ثمرها ، وڪذلڪ المؤمن إذا طال عمره ازداد
خيره وحسن عمله . عن عبد الله بن بُسْر رضي الله عنه : أن أعرابياً قال : يا رسول الله من
خير الناس ؟ قال : (( مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ ))[6]
فهذه بعض أوجه الشبه بين المؤمن وبين النخلۃ ؛ يحيا بتأملها قلب المؤمن ، ويزيد إيمانه ،
ويقوى يقينه ، ويعظم شڪره وحمده لربه . قال الله تعالى {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً
طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ
اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} .
بما تقدَّم يعلم أن الإيمان شجرۃ مبارڪۃ عظيمۃ النفع غزيرۃ الفائدۃ ڪثيرۃ الثمر لها مڪان
خاص تغرس فيه ولها سقي خاص ولها أصل وفرع وثمار :
أما مڪانها : فهو قلب المؤمن ، فيه توضع بذورها وأصولها ، ومنه تتفرع أغصانها وفروعها .
وأما سقيها : فهو الوحي المبين ؛ ڪتاب الله وسنۃ رسوله صلى الله عليه وسلم ، فبه
تسقى هذه الشجرۃ ، ولا حياۃ لها ولا نماء إلا به .
وأما أصلها : فهو أصول الإيمان الستۃ ، وأعلاها الإيمان بالله تعالى فهو أصل أصول هذه
الشجرۃ المبارڪۃ .
وأما فروعها : فهي الأعمال الصالحۃ والطاعات المتنوعۃ والقربات العديدۃ التي يقوم بها
المؤمن .
وأما ثمراتها : فڪل خير وسعادۃ ينالها المؤمن في الدنيا والآخرۃ فهو ثمرۃ من ثمار الإيمان
ونتيجۃ من نتائجه .
وإنا لنسأل الله الڪريم أن يُعظِم نماء هذه الشجرۃ الڪريمۃ المبارڪۃ في قلوبنا ، وأن
يجعلنا من عباده المؤمنين المتقين ، وأن يصلح لنا شأننا ڪله ، فإنه خير مسئول
وأفضل مأمول .
أسأل الله أن يجعل ما قدمنا خالصا له سبحانه وأن
يتقبل منا صالح الأعمال أرجو أن تستفيدوا من الطرح .
نلتقى ان شاء الله فى م
واضيع أخر
منقول للأمانة